منعت لجنة التجارة الدولية الأميركية إدارة الرئيس دونالد ترامب من فرض التعريفات على ورق طباعة الصحف القادم من كندا، في انتصار جديد لصناعة الصحافة والنشر، في معركة، قالت اللجنة الحكومية المستقلة: «إنها كانت حاسمة لاستمرار نشر الصحف داخل الولايات المتحدة بصورة منتظمة».
وصوت الأعضاء الخمسة، في لجنة التجارة الدولية الأميركية، لوقف توجه إدارة ترامب بفرض تعريفات جديدة على أوراق نشر الصحف الكندية بالإجماع. وقالت اللجنة عقب إصدار القرار: «إن واردات الورق من كندا لم تتسبب بأي وجه من الوجوه في «أضرار مادية» لمنتجي الورق الأميركيين».
وبموجب قانون التجارة الأميركي، لا تدخل التعريفات حيز التنفيذ إلا إذا قرر مجلس التجارة الدولية أن الواردات تسبب ضرراً في أحد مجالات الصناعة والتجارة، بالنسبة للشركات العاملة داخل الولايات المتحدة.
وبموجب قرار اللجنة لن يكون على الشركات الأميركية التي تستورد أوراق نشر الصحف من كندا، دفع الرسوم إضافية اقترحتها وزارة التجارة الأميركية في وقت سابق من العام الجاري.
وقرار لجنة التجارة الدولية مُلزم، ويعد درجة أعلى من قرارات وزارة التجارة الأميركية، التي أعلنت في وقت سابق من العام «أنه يجب على الشركات التي تستورد أوراق الصحف من كندا أن تضخ ودائع مالية بالملايين». وقال الخبراء التجاريون: «إن الشركات التي قامت بالفعل بضخ أموال في صورة ودائع سيتم ردها لها».
ورحب الناشرون بقرار لجنة التجارة الخارجية، وقال بيان صادر عن «نيوز ميديا آليانس»، وهي رابطة تجارية للصحف شنت حملة موسعة لإثناء الإدارة الأميركية عن تنفيذ قرار فرض التعريفات على أوراق الصحف المستوردة من كندا: «نأمل أن يؤدي إلغاء تعريفة ورق الصحف إلى استعادة الاستقرار للسوق، ونأمل أن يرى الناشرون انتعاشاً كاملاً وسريعاً في أقرب وقت». وشهد الشهر الماضي، إدلاء 19 من أعضاء الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ بشهادتهم أمام وزارة التجارة لحثها على عكس مسارها.
ويأتي القرار في وقت محفوف بالخطر بشكل خاص في العلاقات بين الولايات المتحدة وكندا، حيث تضغط الولايات المتحدة على كندا لتقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق للانضمام إلى المكسيك في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية «نافتا» التي أعيد التفاوض بشأنها.
ويتمثل أحد المطالب الرئيسة التي تشترطها كندا للتوقيع على الاتفاقية المعدلة، الاحتفاظ بفرق التحكيم التي يمكنها مراجعة قرارات الولايات المتحدة الاقتصادية التي قد تؤدي إلى منح المزيد من المزايا والحمائية للشركات الأميركية في مواجهة الاستثمارات التي تقودها شركات من كندا أو المكسيك.
في الوقت نفسه، رحب متحدث باسم وزارة الخارجية الكندية بالقرار الصادر عن لجنة التجارة الدولية الأميركية، وقال: «إنه سيساعد في الحفاظ على الوظائف في المجتمعات الريفية في كندا».
وفي أوائل أغسطس الماضي، كانت وزارة التجارة الأميركية قد قضت بأن الواردات الورقية الكندية تتنافس بشكل غير متكافئ مع منافسيها في الولايات المتحدة، من خلال تسعير هذه السلعة بأسعار أقل من السوق، ومن خلال الإعانات الحكومية التي تقدمها كندا بصورة غير عادلة.
وبدءاً من يناير، أقرت إدارة الرئيس دونالد ترامب سلسلة قرارات، حددت فيها وزارة التجارة رسوماً جمركية على أوراق طباعة الصحف، تصل إلى نحو 20%، ونتيجة لذلك قفزت أسعار الصحف المطبوعة بنحو 30%.
وألقت بعض الصحف الأميركية باللوم في تقليص توزيع المطبوعات، وتخفيض عدد الموظفين على الزيادات السعرية التي تسببت فيها هذه التعريفة.
وبعد قرار لجنة التجارة الدولية، فمن المنتظر أن تشهد مطبوعات الصحف الأميركية ازدهاراً، خاصة فيما يتعلق بعدد النسخ المطبوعة، ما سيعمل على زيادة توزيعها في مناطق عديدة داخل الولايات المتحدة.
ودفعت التكاليف العالية لطباعة الصحف الناشرين إلى ضخ المزيد من الأموال لاستمرار هذه الصناعة التي تتعرض في الآونة الأخيرة لضغوط متزايدة بالفعل، بسبب تحول القراء والمعلنون إلى المنصات الإلكترونية والنشر الرقمي، حيث تقلص إلى حد كبير حيز الإعلانات في صفحات الجرائد، وهو الأمر الذي يقلل أيضاً الدخل اللازم لاستمرار طباعة ونشر الصحف، حيث تعتمد هذه الصناعة على التمويل القادم من الإعلانات وليس حجم المبيعات.
وقالت صحيفة «بوست-جازيت»، التي تصدر في مدينة بطرسبرج الأميركية: «إنها ستقلص عدد أيام إصدار الصحيفة اليومية إلى 5 أيام بدلاً من 7 أيام في الأسبوع، وذلك بسبب التكاليف المتزايدة لشراء ورق الطباعة».
وخفضت صحيفة «تامبا باي تايمز» ما يقرب من 50 وظيفة في وقت سابق من هذا الصيف، وألقى ناشر الصحيفة باللوم فيها على التعريفات الجمركية التي أعلنتها وزارة التجارة.
وقال بول تاش، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «تامبا باي تايمز»: «يواجه نشاط الصحف ما يكفي من الرياح المعاكسة، ومن المريح أن هذا الأمر لم يعد واحداً منها. لقد أكدنا دائماً أن هذه كانت لعبة مالية صافية من قبل صندوق تحوط في نيويورك، ولم يكن لها أي علاقة بالتنافسية الفعلية للسوق».
وأضاف تاش: «لم يتضح مدى السرعة التي يمكن أن يؤثر بها إلغاء التعريفات على العمليات أو ما إذا كان سيتمكن من استعادة الموظفين الذين اضطر لإنهاء عقود عملهم منذ أشهر»، مشيراً إلى أنه يشك في أن تكاليف طباعة الصحف «ستهبط بالسرعة التي ارتفعت بها».
من ناحية أخرى، أبدت شركة «وان روك كابيتال بارتنرز» لإدارة الأصول التي تملك شركة «ورباك» الأميركية الشهيرة لصناعة الورق، ومقرها مدينة لونجفيو بولاية واشنطن، اعتراضها على قرار لجنة التجارة الخارجية، حيث قال أحد محامي «نورباك»: «إن قرار وزارة التجارة السابق جاء استجابة لظروف السوق، وأي جدل يثار عكس ذلك لن يعبر عن الوضع الفعلي لأسواق هذه الصناعة، وبالتأكيد سيكون مزايدة خالصة».
وقال كريج أننبرج، الرئيس التنفيذي لشركة «نورباك»» «إنه «شعر بخيبة أمل كبيرة» بسبب قرار لجنة التجارة الدولية، وإن الشركة ستقوم بتقييم الخيارات المتاحة عندما تصدر لجنة التجارة الدولية قرارها الكتابي خلال بضعة أسابيع».
ويمكن استئناف قرارات مركز التجارة الدولية أمام محكمة الولايات المتحدة للتجارة الدولية في نيويورك. لكن الأمل لن يكون منعدماً أمام المعترضين على قرار لجنة التجارة الدولية الأخير بالنظر إلى أن قرار اللجنة صدر بإجماع جميع الأعضاء.
واتخذت إدارة الرئيس ترامب موقفاً عدوانياً للغاية بشأن القضايا التجارية، ما شجع مختلف الشركات على رفع المزيد من القضايا التجارية لوقف قرارات الإدارة الأميركية الخاص بمنع الواردات.
ومن عمل لجنة التجارة الدولية إلقاء نظرة ثانية على قرارات وزارة التجارة الأميركية، للتأكد من أن السبب الفعلي للقرارات التي تتخذها الإدارة الأميركية وجود ضرر حقيقي يهدد الشركات.
وفي الثاني من أغسطس، قدرت وزارة التجارة أن الإدارة الأميركية بدأت في اتخاذ إجراءات جديدة لمكافحة الإغراق لنحو 120 شركة منذ بداية حكم الرئيس ترامب، بزيادة قدرها 216%، مقارنة بالفترة نفسها في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
ويقول وليام رينش، وهو مسؤول سابق في وزارة التجارة في إدارة كلينتون، ويعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «إن وزارة التجارة تعمل أساساً كهيئة محلفين كبرى في القضايا التجارية، في حين أن لجنة التجارة الدولية هي القاضي الذي يصدر الحكم النهائي. ويُظهر قرار ورق الصحف أن لجنة التجارة الدولية «تتعامل مع القضايا ويصوت الأعضاء على الأسس الموضوعية، لأن اللجنة كيان مستقل»».
في وقت سابق من هذا العام، رفضت لجنة التجارة الدولية أيضاً الرسوم الأميركية المفروضة على شركة «بومباردييه» في قضية حركتها شركة «بوينج».
ويتم تعيين أعضاء لجنة التجارة الدولية لمدة 9 سنوات، لجعلهم مستقلين عن أي رئيس معين، ويتم تقسيمها بين 3 أعضاء جمهوريين و3 ديمقراطيين. والدورة الحالية للجنة ينقصها عضو، حيث تتشكل في الوقت الراهن من 5 أعضاء فقط.
يذكر أن الرئيس ترامب عين عضواً واحداً من الخمسة، وهو العضو الديمقراطي نفسه الذي كان الرئيس السابق أوباما اختاره للمنصب نفسه سابقاً.
واختار الرئيس ترامب الآن 3 أعضاء آخرين للانضمام إلى اللجنة، بما في ذلك عضو جمهوري، وهو العضو السادس ليكتمل تشكيل اللجنة، إضافة إلى جمهوري، وآخر ديمقراطي، ليحلا محل مفوضين اثنين انتهت مدة ولايتهم.
وقالت أرانوف، رئيسة لجنة التجارة الدولية السابقة، وهي ديمقراطية: «إنها تشك في أن تعيينات ترامب ستضعف تقاليد الاستقلال التي تتميز بها اللجنة».
في الوقت نفسه، قال متحدث باسم وزارة التجارة الأميركية: «إن قرار التعريفات على ورق الطباعة يثبت أن الطريقة التي تدار بها مثل هذه الأمور عادلة وشفافة».

بقلم /‏‏ بوب ديفيس ولوكاس البرت